الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
{إِنْ كادَتْ} أي إنها كادت، فلما حذفت الكناية سكنت النون فهي {إِنْ} المخففة ولذلك دخلت اللام في {لَتُبْدِي بِهِ} أي لتظهر أمره، من بدا يبدو إذا ظهر قال ابن عباس: أي تصيح عند إلقائه: وا ابناه السدي: كادت تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني وقيل: إنه لما شب سمعت الناس يقولون موسى بن فرعون، فشق عليها وضاق صدرها، وكادت تقول هو ابني وقيل: الهاء في {بِهِ} عائدة إلى الوحي تقديره: إن كانت لتبدي بالوحي الذي أوحيناه إليها أن نرده عليها والأول أظهر قال ابن مسعود: كادت تقول أنا أمه وقال الفراء: إن كانت لتبدي باسمه لضيق صدرها. {لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها} قال قتادة: بالايمان. السدى: بالعصمة.وقيل: بالصبر. والربط على القلب: إلهام الصبر. {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي من المصدقين بوعد الله حين قال لها: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}. وقال: {لَتُبْدِي بِهِ} ولم يقل: لتبديه، لان حروف الصفات قد تزاد في الكلام، تقول: أخذت الحبل وبالحبل.وقيل: أي لتبدي القول به. قوله تعالى: {وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي قالت أم موسى لأخت موسى: اتبعي أثره حتى تعلمي خبره. واسمها مريم بنت عمران، وافق اسمها اسم مريم أم عيسى عليه السلام، ذكره السهيلي والثعلبي وذكر الماوردي عن الضحاك: أن اسمها كلثمة وقال السهيلي: كلثوم، جاء ذلك في حديث رواه الزبير بن بكار أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لخديجة: «أشعرت أن الله زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون فقالت: الله أخبرك بهذا؟ فقال: نعم فقالت: بالرفاء والبنين». {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} أي بعد، قاله مجاهد ومنه الأجنبي.قال الشاعر: وأصله عن مكان جنب.وقال ابن عباس: {عَنْ جُنُبٍ} أي عن جانب وقرأ النعمان بن سالم: {عن جانب} أي عن ناحية وقيل: عن شوق، وحكى أبو عمرو بن العلاء إنها لغة لجذام، يقولون: جنبت إليك أي اشتقت وقيل: {عَنْ جُنُبٍ} أي عن مجانبة لها منه فلم يعرفوا أنها منه بسبيل وقال قتادة: جعلت تنظر إليه بناحية كأنها لا تريده، وكان يقرأ: {عن جنب} بفتح الجيم وإسكان النون. {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه. قوله تعالى: {وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ} أي منعناه من الارتضاع من قبل، أي من قبل مجيء أمه وأخته. و{الْمَراضِعَ} جمع مرضع ومن قال مراضيع فهو جمع مرضاع، ومفعال يكون للتكثير، ولا تدخل الهاء فيه فرقا بين المؤنث والمذكر لأنه ليس بجار على الفعل، ولكن من قال مرضاعة جاء بالهاء للمبالغة، كما يقال مطرابة. قال ابن عباس: لا يؤتى بمرضع فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع، قال امرؤ القيس: أي ممتنع. فلما رأت أخته ذلك قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} الآية. فقالوا لها عند قولها: {وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ} وما يدريك؟ لعلك تعرفين أهله؟ فقالت: لا، ولكنهم يحرصون على مسرة الملك، ويرغبون في ظئره.وقال السدي وابن جريج: قيل لها لما قالت: {وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ} قد عرفت أهل هذا الصبي فدلينا عليهم، فقالت: أردت وهم للملك ناصحون فدلتهم على أم موسى، فانطلقت إليها بأمرهم فجاءت بها، والصبي علي يد فرعون يعلله شفقة عليه، وهو يبكي يطلب الرضاع، فدفعه إليها، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها.وقال ابن زيد استرابوها حين قالت ذلك فقالت وهم للملك ناصحون.وقيل: إنها لما قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} وكانوا يبالغون في طلب مرضعة يقبل ثديها فقالوا: من هي؟ فقالت: أمي، فقيل: لها لبن؟ قالت: نعم! لبن هرون- وكان ولد في سنة لا يقتل فيها الصبيان- فقالوا صدقت والله. {وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ} أي فيهم شفقة ونصح، فروي أنه قيل لام موسى حين ارتضع منها: كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن، لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني قال أبو عمران الجوني: وكان فرعون يعطي أم موسى كل يوم دينارا. قال الزمخشري: فإن قلت كيف حل لها أن تأخذ الأجر على إرضاع ولدها؟ قلت: ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع، ولكنه مال حربي تأخذه على وجه الاستباحة. قوله تعالى: {فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ} أي رددناه وقد عطف الله قلب العدو عليه، ووفينا لها بالوعد. {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} أي بولدها. {وَلا تَحْزَنَ} أي بفراق ولدها. {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي لتعلم وقوعه فإنها كانت عالمة بأن رده إليها سيكون. {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} يعني أكثر آل فرعون لا يعلمون، أي كانوا في غفلة عن التقرير وشر القضاء.وقيل: أي أكثر الناس يعلمون أن وعد الله في كل ما وعد حق. قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً} قد مضى الكلام في الأشد في الأنعام. وقول ربيعة ومالك أنه الحلم أولي ما قيل فيه، لقوله تعالى: {حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ} وذلك أول الأشد، وأقصاه أربع وثلاثون سنة، وهو قول سفيان الثوري. {وَاسْتَوى} قال ابن عباس: بلغ أربعين سنة والحكم: الحكمة قبل النبوة وقيل: الفقه في الدين وقد مضى بيانها في البقرة وغيرها والعلم الفهم قول السدي.وقيل: النبوة.وقال مجاهد: الفقه. محمد ابن إسحاق: أي العلم بما في دينه ودين آبائه، وكان له تسعة من بني إسرائيل يسمعون منه، ويقتدون به، ويجتمعون إليه، وكان هذا قبل النبوة.{وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي كما جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله، وألقت ولدها في البحر، وصدقت بوعد الله، فرددنا ولدها إليها بالتحف والطرف وهي آمنة، ثم وهبنا له العقل والحكمة والنبوة، وكذلك نجزي كل محسن،
أي مدفع وإنما شدد للكثرة وقالت عائشة رضي الله عنها: فلهدني- تعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهده أوجعني، خرجه مسلم. ففعل موسى عليه السلام ذلك وهو لا يريد قتله، إنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه، وهو معنى: {فَقَضى عَلَيْهِ}. وكل شيء أتيت عليه وفرغت منه فقد قضيت عليه قال:قد عضه فقضي عليه الأشجع {قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ} أي من إغوائه قال الحسن: لم يكن يحل قتل الكافر يومئذ في تلك الحال، لأنها كانت حال كف عن القتال. {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} خبر بعد خبر. {قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} ندم موسى عليه السلام على ذلك الوكز الذي كان فيه ذهاب النفس، فحمله ندمه على الخضوع لربه والاستغفار من ذنبه قال قتادة: عرف والله المخرج فاستغفر، ثم لم يزل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعدد ذلك على نفسه، مع علمه بأنه قد غفر له، حتى أنه في القيامة يقول: إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها. وإنما عدده على نفسه ذنبا وقال: {ظلمت نفسي فاغفر لي} من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر، وأيضا فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم. قال النقاش: لم يقتله عن عمد مريدا للقتل، وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلمه. قال وقد قيل: إن هذا كان قبل النبوة.وقال كعب: كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، وكان قتله مع ذلك خطأ فإن الوكزة واللكزة في الغالب لا تقتل.وروى مسلم عن سالم بن عبد الله أنه قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن الفتنة تجئ من ها هنا- وأومأ بيده نحو المشرق- من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض» وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل: {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}. قوله تعالى: {قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} أي من المعرفة والحكمة والتوحيد {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} أي عونا للكافرين. قال القشيري: ولم يقل بما أنعمت على من المغفرة، لان هذا قبل الوحي، وما كان عالما بأن الله غفر له ذلك القتل.وقال الماوردي: {بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} فيه وجهان: أحدهما- من المغفرة، وكذلك ذكر المهدوي والثعلبي. قال المهدوي: {بما أنعمت على} من المغفرة فلم تعاقبني. الوجه الثاني- من الهداية. قلت: {فَغَفَرَ لَهُ} يدل على المغفرة، والله أعلم. قال الزمخشري قوله تعالى: {بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف تقديره، أقسم بإنعامك علي بالمغفرة لا تؤبن {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} وأن يكون استعطافا كأنه قال: رب اعصمني بحق ما أنعمت علي من المغفرة فلن أكون إن عصمتني ظهيرا للمجرمين. وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته، وتكثير سواده، حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد، وكان يسمى ابن فرعون، وإما بمظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم، كمظاهرة الإسرائيلي المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له قتله وقيل: أراد إني وإن أسأت في هذا القتل الذي لم أومر به فلا أترك نصرة المسلمين على المجرمين، فعلى هذا كان الإسرائيلي مؤمنا ونصرة المؤمن واجبه في جميع الشرائع. وقيل في بعض الروايات: إن ذلك الإسرائيلي كان كافرا وإنما قيل له إنه من شيعته لأنه كان إسرائيليا ولم يرد الموافقة في الدين، فعلى هذا ندم لأنه أعان كافر على كافر، فقال: لا أكون بعدها ظهيرا للكافرين.وقيل: ليس هذا خبرا بل هو دعاء، أي فلا أكون بعد هذا ظهيرا أي فلا تجعلني يا رب ظهيرا للمجرمين.وقال الفراء:المعنى، اللهم فلن أكون بعد ظهيرا للمجرمين، وزعم أن قوله هذا هو قول ابن عباس قال النحاس: وأن يكون بمعنى الخبر أولي وأشبه بنسق الكلام، كما يقال: لا أعصيك لأنك أنعمت علي، وهذا قول ابن عباس على الحقيقة لا ما حكاه الفراء، لان ابن عباس قال: لم يستثن فابتلي من ثاني يوم، والاستثناء لا يكون في الدعاء، لا يقال: اللهم أغفر لي إن شئت، وأعجب الأشياء أن الفراء روى عن ابن عباس هذا ثم حكى عنه قوله. قلت: قد مضى هذا المعنى ملخصا مبينا في سورة النمل وأنه خبر لا دعاء وعن ابن عباس: لم يستثن فابتلي به مرة أخرى، يعني لم يقل فلن أكون إن شاء الله وهذا نحو قوله: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} الثانية: قال سلمة بن نبيط: بعث عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك بعطاء أهل بخارى وقال: أعطهم، فقال: اعفني، فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه. فقيل له ما عليك أن تعطيهم وأنت لا ترزؤهم شيئا؟ وقال: لا أحب أن أعين الظلمة على شيء من أمرهم.وقال عبيد الله بن الوليد الوصافي قلت لعطاء بن أبي رباح: إن لي أخا يأخذ بقلمه، وإنما يحسب ما يدخل ويخرج، وله عيال ولو ترك ذلك لاحتاج وأدان؟ فقال: من الرأس؟ قلت: خالد بن عبد الله القسري، قال: أما تقرأ ما قال العبد الصالح {رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهير للمجرمين} قال ابن عباس: فلم يستثن فابتلي به ثانية فأعانه الله، فلا يعينهم أخوك فإن الله يعينه- قال عطاء: فلا يحل لاحد أن يعين ظالما ولا يكتب له ولا يصحبه، وأنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين.وفي الحديث: «ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى به في جهنم». ويروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من مشي مع مظلوم ليعينه على مظلمته ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة يوم تزل فيه الاقدام ومن مشي مع ظالم ليعينه على ظلمه أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الاقدام».وفي الحديث: «من مشى مع ظالم فقد أجرم» فالمشي مع الظالم لا يكون جرما إلا إذا مشي معه ليعينه، لأنه ارتكب نهي الله تعالى في قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ}. قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً} قد تقدم في طه وغيرها أن الأنبياء صلوات الله عليهم يخافون، ردا على من قال غير ذلك، وأن الخوف لا ينافي المعرفة بالله ولا التوكل عليه فقيل: أصبح خائفا من قتل النفس أن يؤخذ بها.وقيل: خائفا من قومه أن يسلموه.وقيل: خائفا من الله تعالى. {يَتَرَقَّبُ} قال سعيد بن جبير: يتلفت من الخوف وقيل: ينتظر الطلب. وينتظر ما يتحدث به الناس.وقال قتادة: {يَتَرَقَّبُ} أي يترقب الطلب.وقيل: خرج يستخبر الخبر ولم يكن أحد علم بقتل القبطي غير الإسرائيلي. و{أصبح} يحتمل أن يكون بمعنى صار، أي لما قتل صار خائفا. ويحتمل أن يكون دخل في الصباح، أي في صباح اليوم الذي يلي يومه. و{خائِفاً} منصوب على أنه خبر أصبح، وإن شئت على الحال، ويكون الظرف في موضع الخبر. {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} أي فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي خلصه بالأمس يقاتل قبطيا آخر أرد أن يسخره. والاستصراخ الاستغاثة. وهو من الصراخ، وذلك لان المستغيث يصرخ ويصوت في طلب الغوث. قال: قيل: كان هذا الإسرائيلي المستنصر السامري استسخره طباخ فرعون في حمل الحطب إلى المطبخ، ذكره القشيري و{الَّذِي} رفع بالابتداءو- {يَسْتَصْرِخُهُ} في موضع الخبر. ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال. وأمس لليوم الذي قبل يومك، وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين فإذا دخله الالف واللام أو الإضافة تمكن فأعرب بالرفع والفتح عند أكثر النحويين. منهم من يبنيه وفيه الالف واللام.وحكى سيبويه وغيره أن من العرب من يجري أمس مجري ما لا ينصرف في موضع الرفع خاصة، وربما اضطر الشاعر ففعل هذا في الخفض والنصب، وقال الشاعر: فخفض بمذ ما مضى واللغة الجيدة الرفع، فأجري أمس في الخفض مجراه في الرفع على اللغة الثانية. {قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} والغوي الخائب، أي لأنك تشاد من لا تطيقه.وقيل: مضل بين الضلالة، قتلت بسببك أمس رجلا، وتدعوني اليوم لآخر. والغوي فعيل من أغوى يغوي، وهو بمعنى مغو، وهو كالوجيع والأليم بمعنى الموجع والمؤلم وقيل: الغوي بمعنى الغاوي. أي إنك لغوي في قتال من لا تطيق دفع شره عنك.وقال الحسن: إنما قال للقبطي {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} في استسخار هذا الإسرائيلي وهم أن يبطش به. يقال: بطش يبطش ويبطش والضم أقيس لأنه فعل لا يتعدى. {قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي} قال ابن جبير. أراد موسى أن يبطش بالقبطي فتوهم الإسرائيلي أنه يريده، لأنه أغلظ له في القول، فقال: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ} فسمع القبطي الكلام فأفشاه.وقيل: أراد أن يبطش الإسرائيلي بالقبطي فنهاه موسى فخاف منه، فقال: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ}. {إِنْ تُرِيدُ} أي ما تريد. {إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ} أي قتالا، قال عكرمة والشعبي: لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين بغير حق. {وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} أي من الذين يصلحون بين الناس.
|